صفقات مشبوهة، تلزيمات بلا مناقصات، وملفات تغلقها المصالح المشتركة.. أين الدولة من كل هذا؟

بين جدران بلدية متواضعة في شمال لبنان، تبدأ القصة… مشروع بنى تحتية تأخّر تنفيذه 8 أشهر، كلفته تضاعفت، والمقاول “نفسه” ينفذ دائمًا، رغم الشكاوى الكثيرة حول رداءة الأعمال. تسأل: من يحاسب؟ فيأتيك الجواب الهادئ: “ما حدا بيسترجي يفتح تمّه.. هيدي بلدية النائب فلان”.
هذه القصة تتكرر، بمشاهد مختلفة، من جنوب لبنان إلى البقاع والشمال، حيث تُبنى *تحالفات بين بعض البلديات والنواب*، ليس على أساس خدمة الناس، بل على قاعدة “غطّيلي لغطّيلك”.
—
*أين تبدأ الحكاية؟*
يبدأ المشهد من المجلس النيابي، حيث يُفترض أن يكون النائب رقيبًا على الأداء المحلي، ومنصّة لمحاسبة أي فساد داخل البلديات. لكن في الواقع، وفي عدد من المناطق اللبنانية، تحوّل بعض النواب إلى *مظلة سياسية تحمي رؤساء بلديات يدينون لهم بالولاء*، وغالبًا ما يكونون جزءًا من حملاتهم الانتخابية.
يُقال في الكواليس: “النائب هو من عيّن رئيس البلدية فعليًا، عبر التزكية أو التحالف، فلا يمكن أن يعارضه، بل العكس، هو من يمنع محاسبته”.
—
*البلديات: مال عام بيد خاص*
التدقيق في ملفات عدد من البلديات يُظهر نمطًا متكررًا:
– تلزيمات مشاريع تتم بلا مناقصات قانونية.
– شركات تنفيذ يملكها أقرباء أو مقربون من رؤساء البلديات أو من النواب.
– توظيفات لا حاجة لها، فقط لإرضاء قواعد انتخابية.
في بلدة في البقاع، رُصد مشروع تأهيل طرق بقيمة *مليار و200 مليون ليرة لبنانية*، نُفّذ في 20 يومًا، دون إعلان رسمي، ودون دفتر شروط منشور. عندما سُئل رئيس البلدية عن الجهة التي نفذت، أجاب: “شركة موثوقة، وعندها غطاء من فوق”.
—
*النائب والبلدية.. تبادل أدوار*
يقول أحد الموظفين السابقين في بلدية كبرى شمالية، فضّل عدم ذكر اسمه:
> “ما في شي بيمرق من دون موافقة النائب، وكل مشروع بيمر عبر مكتبه. بالمقابل، البلدية بتأمّن خدمات انتخابية للنائب، من تنقلات، لمساعدات، وحتى بأوقات الشدة بتدفع البلدية فواتير مش إلها”.
يضيف آخر، وهو صحفي محلي:
> “الفساد مش بس أكل مال، في فساد بالسكوت، بالتمييع، بطمس الملفات.. وكل واحد بيغطي الثاني كرمال يضل بموقعه”.
—
*أين القضاء؟ وأين الرقابة؟*
رغم وجود أجهزة رقابية، مثل *ديوان المحاسبة* و *التفتيش المركزي*، فإن تدخّل بعض السياسيين يعيق التحقيقات أو يفرمل التقارير. عدد من الملفات “يُدفن” قبل أن يصل إلى الإعلام، وأخرى تُحفظ لاعتبارات طائفية أو حزبية.